مراكش قصة عشق لا نهاية لها
بين بيوتها الحمراء وزليجها بنقشاته وألوانه الزاهية، وقمم جبال الأطلس المحاذية لها تمتد حضارة عربية إسلامية إفريقية، يختلط فيها التراث بالمعاصرة، واللغة العربية بالأمازيغية، أحياؤها وأسواقها القديمة تحف معمارية، أهلها طيبون مضيافون يغدقون على الزوار بأطايب الطاجين الأصيل. مراكش، وجهة سياحية عريقة تتغنى بأسواقها التقليدية وحماماتها التاريخية، ومساجدها التي تقف شاهدةً على التاريخ لتجمع من الجمال والسحر ما يجعل المرء يغوص في قصة عشق لا نهاية لها.
من مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، استلمنا سيارة الأجرة وإنطلقنا في رحلتنا نحو مراكش والتي استغرقت حوالي الساعتين. كانت الرحلة حافلة بالمناظر الطبيعية المتنوعة، فالجبال من جهة، وأشجار الزيتون من الجهة الاخرى، ثم الوديان والأنهار الجارية التي تنتتشر من حولها القرى.
عند مدخل المدينة استقبلتنا أشجار النخيل التي تزدان بها شوارع مراكش وشدّنا اللون الوردي الذي يطغى على كافة أبنيتها، وهو السبب في تسميتها بالمدينة الحمراء.
تشتهر مراكش ببيوتها التقليدية المسماة بالرياض، ولتكون إقامتنا في هذه المدينة تقليدية تماماً اخترنا الإقامة في فندق السلطانة La Sultana والواقع في قلب مراكش التاريخي، بين القصور الملكية والمقابر السعدية، وعلى بعد ما لا يزيد عن عشر دقائق عن ساحة جامع الفنا.
يصعب على المرء أن يتخيل الجمال الذي يختبئ خلف مدخل الفندق الواقع ضمن ذاك الزقاق الصغير، ففندق السلطانة La Sultana عبارة عن خمسة رياضات تحكي قصص الحقب التاريخية المختلفة التي توالت. خضعت جميعها للتجديد وتم وصل بعضها ببعض مع مراعاة المحافظة على طابعها الأصلي، فأصبحت مرآة للماضي، تعكس جمال المملكة المغربية بتقاليدها وثقافتها وتراثها الفريد، وأصالة ضيافتها.
بعد مرور الضيف ببوابة الفندق، يكتشف فناءً ساحراً، أشبه بواحة من السلام والهدوء. وألوان مُدهشة وتركيبة رائعة من فسيفساء “الزليج” المغربي المعقدة، والزخرفات الإسلامية التي تحاكي تلك الموجودة في الأندلس، والفناءات الجميلة التي تتوسطها الحدائق الصغيرة والنوافير الجميلة بتصاميمها الهندسية الرائعة.
كانت إقامتي في جناح درومادير Dromadair الجمل العربي. ما أن فتحت الباب الخشبي للغرفة حتى صرخت من الدهشة، فالغرفة أشبه بغرف السلاطين، حيث تنتشر فيها الزخارف العاجية على قناطر الشبابيك وأقواس الأبواب، أما الحمام، فهو أشبه بمعبد روماني قديم بأعمدته وتصاميمه التي تفوق الوصف. على الطاولة وجدت صحناً من الحلويات المغربية يناديني فما كان مني إلا أن لبيت النداء، وجلست أتلذذ بقطع الحلوى فيما أفرغ حقيبة السفر وأستعد للنوم في هذا المكان الذي لا يمكنني إلا أن أشبهه بالحلم المراكشي الجميل.
اليوم الأول في مراكش المغرب
فتحت عيناي ونظرت من حولي باستغراب! أين أنا؟ وما هذا الجمال الذي حولي؟ ولوهلة كنت قد نسيت أين أنا، ولكن سرعان ما استرجعت أحداث الأمس، وتذكرت أني في قلب المدينة الحمراء، وفي أحد أجمل الفنادق التي زرتها، وأكثرها عراقةً.
توجهت إلى سطح الفندق حيث تُقدم وجبة الفطور. من على طاولتي كنت أرى صومعة جامع الكتبية، وهي من المآثر العمرانية الموحدية في مراكش. على أنغام العود التقليدي ومع كوب من الشاي المغربي استهليت يومي، وكان الفطور مغربياً تقليدياً بامتياز، فاخترت طاجين البيض باللحم، والذي يُقدم في طبق فخاري جميل، وبعدها كان لا بد لي من تجربة المسمن، وهو عبارة عن رقاقات أشبه بالبانكيك، تقدم من الزبدة والدبس، أو العسل.
أطلت الجلوس على السطح، مستمتعة بجمال الجو المراكشي المعتدل وبالألحان العربية التي زادت من جمال الجلسة وصفائها.
عند منتصف النهار، خرجت من الفندق لأجد نفسي في قلب السوق القديم، حيث ينادي التجار على المارة بأعلى صوتهم، والسيارات والدراجات تسابق بعضها البعض في شوارع ضيقة وكأنها تسعى لاعتلاء منصة الفوز. استقليت سيارة أجرة – وهي تسمى طاكسي في المغرب، نعم بحرف الطاء- وتوجهت إلى حديقة ماجوريل التي أخذت إسم مؤسسها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل.
أول ما يلفت المرء عند دخول هذه الحديقة هو تباين الألوان فيها، فقد تم طلاء جدرانها كافة باللون الأزق الداكن، والذي يخلق جمالاً من نوع خاص كونه خلفية النباتات الخضراء التي تنتشر في الحديقة. ولعلّ الحديقة هي المكان الوحيد في مراكش الذي لا يتبع لقاعدة المباني الوردية!
تحتضن حديقة ماجوريل العديد من النباتات والأزهار النادرة، والتي تم جلبها من مختلف القارات، ومن الجدير ذكره أنه على الرغم من نجاح ماجوريل في تحويل الحديقة إلى قبلة سياحية منذ العام 1924، إلا أنه، وبمجرد وفاته، تدهور حال الحديقة، إلى أن اشتراها مصمم الأزياء الفرنسي، إيف سان لوران وأعاد ترميمها.
لا تحتفي حديقة ماجوريل، بمملكة النباتات فقط، وإنما تضم أيضاً متحفاً إسلامياً يضم العديد من القطع التقليدية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. في ماجوريل يجد الزائر راحة البال، وجمال المنظر، وطيب الرائحة.
بعد الفراغ من الحديقة، عدت أدراجي إلى الفندق لأنال قسطاً من الراحة قبل بدء البرنامج المسائي.
بعد أقل من عشر دقائق سيراً من الفندق وصلت إلى قلب مراكش التجاري والسياحي، ألا وهو ساحة جامع الفنا.
يعود تاريخ ساحة جامع الفنا، والمدرجة ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث الإنساني، إلى عهد الدولة المرابطية. وهي بدون أدنى شكّ مركز مراكش النابض بالحياة، ونقطة تجمع السياح وأهل المدينة. ينتشر فيها وحولها الباعة بمختلف بضائعهم من الصناعات المغربية التقليدية والمنتجات الجلدية والتوابل والبخور وغيرها الكثير.
هنا تتجسد مظاهر المغرب العربي، وتشاهد غرائباً لم يسبق أن شاهدتها في أي مكان من قبل. فهنا تجد مروضي الأفاعي ومربي القردة والراقصين على أنواعهم، ويتجمع فيها الناس في حلقات متنوعة ليستمعوا إلى روايات القصاصين الشعبيين أو إلى الأذكار والمدائح النبوية. وتجد الفوانيس المغربية تتلألأ في الساحة التي تضم مئات المطاعم الشعبية التي تقدم أشهى الأطباق المغربية مثل الحريرة والطاجين، والبسطيلة والحلويات المغربية الشهيرة كالشباكية. تستمر الحركة في ساحة الفنا إلى ما بعد منتصف الليل وكأنّ المدينة تحتفل بموسم الأعياد كلّ يوم، أو كأنه عرس من ألف ليلة وليلة.
كلّ شيء من حولي كان يثير الحماس والاستغراب، ومرّ الوقت دون أن أشعر، فما بين التجول في الساحة والتفرّج على كلّ ما تضمه، وتناول بعض المأكولات هنا وهناك شارفت الساعة على الواحدة صباحاً، وكان لا بد لي من العودة إلى الفندق معلنةً نهاية يومي الحافل هذا.
اليوم الثاني في مراكش المغرب
بعد وجبة فطور غنية، واستراحة صباحية على تيراس الفندق الجميل وإطلالته الرائعة، توجهت إلى قصر الباهية، حيث كان فريق العمل في الفندق قد أخبرني بأن زيارة القصور في مراكش أمرٌ لا بد منه، فهي تشهد على التاريخ الباهر الذي عاشته هذه المدينة على مدار السنين، وعلى أهميتها.
لقصر الباهية قصة تجعله توأماً روحياً لتاج محل بالهند، حيث أنه يُحكى بأن الوزير أبو أحمد بن موسى، والملقب بـ “الصدر الأعظم” واشتهر بلقب “باحماد”، بنى هذا القصر ليكون دليل مودة وحب لإحدى زوجاته الأربع الأعزّ على قلبه، باهية، فجلب أمهر الصناع والحرفيين المغاربة لتشكيل هذه السيمفونية التي امتزجت فيها حكايات الحب والمشاعر بالهندسة والزخارف لتُنتج تحفة معمارية نادرة تتجلى فيها الحضارة المغربية بكلّ التفاصيل.
هذا ويُحكى أن السرّ وراء حجم غرف القصر المبالغ فيه، كان غيرة “باحماد” الشديدة، حيث عمد أن تكون غرف زوجاته وجواريه واسعة بشكل مبالغ فيه، كي لا تضطررن للخروج منها. إضافة إلى ذلك، يلاحظ الزائر عدم وجود أية نوافذ مطلّة على خارج القصر، حيث أن كل نوافذه تطل على الحدائق الداخلية، وذلك كي لا تتمكن نساء باحماد وجواريه من رؤية ما هو خارج القصر! أما آخر معلومة طريفة عن هذا القصر الرائع هو أن “الصدر الأعظم” والذي توفي قبل الانتهاء من تشييد القصر بشكل كلّي، كان قد قرر بناء القصر على طابق واحد فقط لقصر قامته وسمنته المفرطة، ما كان يحول دون قدرته على صعود السلالم.
تختلف الحكايات حول المباني التاريخية، إلا أن جمالها يبقى ليحكي عن أهميتها التاريخية، وعن أزمانٍ قد تكون قد ولّت، إلا أنها تعيش بين ثناياه إلى الأبد.
أمضيت فترة ما بعد الظهر وأنا أتجول في أحياء المدينة القديمة في مراكش، أتأمل جمالها، وأتجول في أسواقها. فالتسوّق هنا تجربة ممتعة بحدّ ذاتها، خصوصاً فيما يخص التفاوض مع الباعة على الأسعار.
هنا تتنوع السلع ما بين الملابس المغربية التقليدية كالقفطان، والجلابة، والدرّاعة والبلغة، والصابون التقليدي، والتحف، والسجاد العتيق، والفوانيس وغيرها الكثير.
عدت إلى الفندق وأنا أحمل أكثر من طاقتي بكثير، فالتجوال في أسواق مراكش مغري جداً، إلا أنه مضنٍ أيضاً!
كوني في قلب المغرب، فإن تجربة الحمام المغربي كانت مسألة حتمية. لذا، وبعد الاستراحة في جناحي التاريخي، والذي قررت شخصياً بأن أسميه قصر الباهية لجماله الأخاذ هو الآخر ، توجهت إلى سبا الفندق لتجربة حمام مغربي على الأصول، لأخرج منه وكأنني ألمع من كثر التقشير والتلييف الذي خضعت له.
كان الشيء الوحيد الذي يمكن له أن يُكمل جمال هذا اليوم، هو طبق من الطاجن متقن الصنع، والذي استمتعت به من على سطح الفندق حيث ارتفعت ضحكات النزلاء الذين افترشو طاولات العشاء هم أيضاً، وراحو يتسامرون حتى مشارف الليل.
اليوم الثالث في مراكش المغرب
في صباح آخر أيامنا في مراكش توجهنا إلى حدائق المنارة، وهي أحد المعالم الأثرية الكثيرة الشاهدة على الأسر التي توالت على حكم المغرب.
لهذه الحديقة قصة مميزة هي الأخرى، حيث بها ما يسمى بالصهريج، وهو بركة ماء بعمق متران ومحيط خمسة أمتار كانت قد بُنيت لتدريب جنود الموحدين على السباحة لحماية السواحل المغربية من الأعداء، وتجهيزهم لمعارك الأندلس وجبل طارق.
تنتشر في الحديقة أشجار الزيتون والحمضيات، ويتوسطها الصهريج الذي يضم اليوم أنواعاً مختلفة من الأسماك. يطلّ على الصهريج مبنى من طابقين، أخذنا مرشد سياحي طاعن في السن في جولة بداخله، شرح لنا خلالها عن المبنى الذي أنشىء ليكون ملاذاً لحكام المغرب من حرّ المدينة. بالرغم من بساطته فإن المبنى غني بالنقوش والزخارف الإسلامية، ومن شرفة الطابق العلوي الخلفية تظهر قمم جبال الأطلس الشامخة المكسوة بالثلوج.
أما في المساء، فنسّق لنا الفندق أمسية مغربية وداعية، فاقت كل التوقعات، زرنا فيها مطعم علي بالفلاح التراثي أو Chez Ali كما يلقب، وهو أشبه بمهرجان يحتفي بفلكلور المغرب.
تجمع أجواء علي بالفلاح الساحرة بين سحر ألف ليلة وليلة وتاريخ حروب المغرب وأصالة شعبها المضياف. لدى وصولنا إستقبلنا فرسان على ظهور خيولهم وراقصون شعبيون وموسيقيون. ثم فُتح الباب أمامنا على ساحة واسعة إصطفّت فيها فرق فلكلورية من مختلف مناطق المغرب، مستقبلة برقصاتها وأهازيجها فسمعنا تهليلات الأطلس والصحراء والريف وزاكورة. بالإضافة إلى الأهازيج التي تميز كل فرقة موسيقية، تسمح الألوان وطريقة اللباس بالتعرّف على ما يميز أقاليم الدولة المختلفة.
زينت أشهر المأكولات المغربية مائدة العشاء، من الحريرة، والكسكس والطاجين، إلى الحلويات والكثير غيره. وأما العاملون فلطفاء وودودون للغاية، ويتوحدون في لباسهم المغربي التقليدي من الجلباب الأبيض والبلغة، والطربوش الأحمر.
سُطّرت في مراكش العديد من صفحات التاريخ، وقد تقضي فيها أسابيع كثيرة دون أن تتعرف على كل عوالمها الساحرة، ففيها العديد من الأماكن التي لا تقل جمالاً وسحراً عن تلك التي زرناها.
نصائح لزوار مراكش
- على الرغم من أن مراكش تتمتع بمناخ معتدل بشكل عام، إلا أن بردها قارص مساءً لذا لا بد من أخذ ذلك في الحسبان.
- لا بد لكم من المساومة في الأسعار، ففي معظم الأسواق هذا أمرٌ ممكن، بل يُعدّ جزءاً من تجربة التسوق.
- من الأفضل عدم تجول الشخص وحده في ساحة جامع الفنا مساءً، وخصوصاً الفتيات، حيث يُنصح بوجود مرافق.
- من الأفضل عدم أخذ الكثير من الأموال أثناء الخروج للتبضّع أو التجول في المناطق السياحية، حيث أن سرقة السياح أمر شائع للأسف.
- تشتهر المغرب بزيت الأركان، الذي يتميز بفوائده الغذائية والعلاجية والتجميلية الفريدة، لذا لا بد من شراء بعض القوارير قبل العودة.
ميزانية الرحلة السياحية في مراكش المغرب:
- تذكرة السفر من وإلى دبي 3000 درهم
- استئجار سيارة من وإلى المطار 500 درهم
- الإقامة في فندق السلطانة حوالي 6000 درهم
- دخول حديقة ماجوريل، والمتحف الإسلامي 30 درهم
- دخول قصر الباهية 5 دراهم
- الحمام المغربي 200 درهم
- زيارة علي بالفلاح 550 درهم
- معدل وجبات الغداء والعشاء 200 درهم
- إجمالي سعر الرحلة التقريبي 10,485 درهم
معجم بسيط لبعض الكلمات المغربية المفيدة أثناء الرحلة لمراكش المغرب
يعطيك العافية/ لوسمحت | عافاك |
عمي / حج | سيدي |
بكم | بشحال |
ما اسمك | شنو سميتك |
جميل | مزيان |
جميلة | زوينة |
كيف حالك | كديرا |
الحمد لله / جيد | لا باس |
تاكسي | طاكسي |
نائم | ناعس |
تعال | آجي |
الآن | دابا |
كم الساعة | شحال الوقت |
خلاص | صافي |
لا يوجد | ماكاين |
شيء | والو |
شاي | أتاي |
تقرأون