فنلنـدا وجهة من نسـج الخيـال علـى أرض الواقع
عندما دُعيت إلى رحلة إلى فنلندا كنت متحمّسة جداً لاستكشاف بلدٍ جديد ومنطقة جديدة. لم أكن أعلم الكثير عمّا سأراه وأختبره في هذا البلد، ولعلّ فكرتي عنه كانت أنها دولة هادئة وراقية، ولم أكن أعرف أكثر من ذلك. قرّرت ألا أبحث كثيراً على الإنترنت قبل الذهاب، لأستكشف بنفسي ما يمكن أن تخبئه هذه المغامرة لي. وهكذا كانت النتيجة: مفاجآت متتالية في عالم أشبه بعالم الخيال، أو بقصص الأطفال التي كنا نقرأها صغاراً، ومغامراتٍ شيّقة في بلدٍ رائع ومختلف عن كلّ ما قد سبق وشاهدته في رحلاتي السابقة.
قد يعتقد البعض، وأنا كنت واحدةً منهم، أن فنلدنا بلدٌ جميل وهادئ وفيه طبيعة جميلة. إلا أن في هذا البلد ومناطقه تنوعاً كبيراً، ولكل منطقة فيه رونقاً خاصاً، وأجواءً مختلفة والكثير الكثير من البرد!!! الناس في هذا المكان طيبون ولمسنا ارتباطاً كبيراً بينهم وبين بلدهم وبين الطبيعة فيه بشكل خاص، لذلك تجدهم حريصين على القيام بالنشاطات في قلب الطبيعة وعلى الحفاظ عليها.
أمضيت في هذا البلد الجميل ثلاثة أيام من العمر، وعشت فيها مغامرات وتجارب لا يمكن للمرء أن يعيشها إلا في هذا المكان، ولعلّ أبرزها محاولة البحث عمّا يُعرف بـ”الشفق القطبي” حيث تُضاء السماء بألوان مختلفة أبرزها اللون الأخضر ما يشكّل تجربة رائعة لا يمكن للمرء أن يعيشها إلا في أماكن محددّة من العالم. سأحاول في السطور القادمة أن أنقل لكم هذه التجربة قدر المستطاع، حيث ستكتشفون طبيعة هذا البلد الرائع وغاباته وبحيراته وتجاربه وتاريخه ونشاطاته.
من دبي توجّهنا إلى العاصمة الفنلندية “هلسنكي” على متن درجة رجال الأعمال في رحلة استغرقت 6 ساعات. ارتحنا فيها على مقاعدنا الواسعة واستمتعنا بالمأكولات المقدّمة وبالأفلام، فمرّ الوقت بكل راحة. تجدر الإشارة إلى أن شركة فلاي دبي تسيّر حتى سبع رحلات أسبوعياً إلى هلسنكي. وصلنا ليلاً إلى فندق Lapland Hotels Bulevardi في قلب مدينة هلسنكي. بعد جولة سريعة في غرفتي شعرت بمشاعر مشتركة من السعادة والفرح معاً: السعادة لروعة تصميم الغرفة التي تُشعرك بالدفء رغم الجو البارد في الخارج، وبخاصة غرفة الساونا الخاصة الموجودة داخل حمام الغرفة، والحزن لأن إقامتي في هذا المكان قصيرة لكوننا سنتحرّك باكراً في اليوم التالي. لذلك، سارعتُ إلى النوم، فأمامي يوماً حافلاً في الغد.
اليوم الأول
استيقظت باكراً وفيما أنا أخرج من غرفتي لأسجّل الخروج كنت أشعر بالحزن الشديد لأنني لم أتمكّن من استخدام الساونا التي كانت تناديني. إذا تُعتبر فنلندا مصدر حمام الساونا منذ مئات السنين. إلا أن ما كان بانتظاري خلال اليوم كان أروع. بدأت يومي بفطور مبكر في الفندق حيث تناولت ما لذ وطاب من المأكولات وبخاصة السلمون المدخّن الذي تشتهر به هذه البلاد. بعدها انتقلنا في جولة في مدينة هلسنكي سيراً على الأقدام لاستكشاف أبرز وجهات التصميم في ما يُسمّى هنا بحي التصميم، في هذا البلد الذي يشتهر بهذه الفنون على أنواعها.
بدأنا جولتنا في صالة Lokal Gallery الفنية، والتي تستضيف العديد من المعارض المتنوّعة، ومجموعة من الأكسسوارات المنزلية الفنية. ثم كانت لنا وقفة في Samuki وهو متجرٌ محلي للملبوسات الصديقة للبيئة، وغيرها من المنتجات. بالإضافة إلى ذلك زُرنا أيضاً مركز Kamp Garden التجاري، والذي خصّص مؤخراً طابقاً كاملاً يحمل اسم Kamp Galleria يضمّ علامات تجارية محلّية، مثل متجر Enhats المخصّص لتصاميم القبعات المختلفة، ومتجر Nomen Nescio الذي يقدّم مجموعة من الملابس ذات اللون الأسود فقط للرجال والسيّدات.
تميّزت التصاميم كافة التي اطّلعنا عليها بالبساطة، أو ما يُسمّى minimalism، ولكن بإبداع كبير أيضاً. إلا أن الجولة لم تنتهِ هنا. أكملنا سيرنا على الأقدام على شوارع هلسنكي المرصوفة والنظيفة وصولاً إلى صالة عرض Artek للمفروشات. يُعتبر هذا المتجر من أبرز العلامات التجارية الفنلندية الأصيلة وقد تأسس عام 1935، وهو يتميّز بتصاميمه البسيطة والعملية، كونه يجمع ما بين الفن والتكنولوجيا- كما يدلّ اسمه. وبالإضافة إلى القطع التي صمّمتها هذه العلامة التجارية، يضم المتجر أيضاً منتجات لعلامات تجارية أخرى.
بعد هذه الجولة الطويلة والمميّزة كان لا بدّ من وقفة للاستراحة على الغداء، وقد وقع الخيار على فندق St. George، الذي يُعدّ من أبرز الفنادق في هلسنكي والذي يُعدّ حديثاً نسبياً، إلا أنه يقع في مبنىً كان سكنياً منذ عام 1840. يتميّز الفندق بتصميمه الداخلي الذي يحاكي الحي الفني الذي يقع فيه، فهو يضمّ العديد من اللوحات والمجسّمات الفنية من مختلف أنحاء العالم. تناولنا غداءنا في مطعم Andrea في الفندق وكان السلمون المشوي سيّد المائدة، وهو أبرز من المأكولات التي تشتهر بها فنلندا.
بعد الغداء انطلقنا في السيارة إلى صالة عرض Fiskars الشهيرة والتي تُعدّ أقدم علامة تجارية فنلندية للمستلزمات المنزلية. تضم صالة العرض معرضاً للأكسسوارت المنزلية الفنية القديمة والمصنوعة من الزجاج، والخشب، وغيرها من المواد، بالإضافة إلى معرضٍ فني عصري يتيح للفنانين الشباب والطلاب استعراض مهاراتهم. يضم المكان أيضاً صالة عرض ضخمة تضم منتجات Fiskars وغيرها من العلامات التجارية الفنلندية مثل Ittalia وArabia.
تعرض الصالة منتجات منزلية كالأطباق والكؤوس والأباريق وغيرها من المستلزمات المنزلية والتي تشتهر بها فنلندا وبخاصة مقص Fiskars المعروف والذي يتميّز بلونه البرتقالي، بالإضافة إلى ركن خاص بالمنتجات المستعملة والتي تتمتع بحالة جيّدة وبقيمة تاريخية. إن كافة التصاميم رائعة في هذا المكان، وعلى الرّغم من أن حقيبتي التي تختزن الكثير من الملابس الشتوية، إلا أن ذلك بم يُثنِني عن شراء بعض الكؤوس التي نالت إعجابي!
من هناك كانت وجهتنا التالية المطار، لأننا سننتقل لنستكشف منطقة أخرى في فنلندا، من مطار هلسنكي إلى Kittila، استغرقت الرحلة على متن طيران Finnair حوالي الثلاث ساعات. ومن هناك توجّهنا بالسيارة إلى منطقة Levi التي ستكون مقرّ إقامتنا على مدى ليلتين.
وصلنا إلى فندق Hotel Levi Panorama مساءً، حيث تناولنا عشاءنا في مطعم الفندق الذي يتميّز بإطلالة بانورامية وكان السلمون أيضاً الطبق الرئيسي. استمتعنا بعشاء لذيذ وخفيف وتوجّهنا مباشرةً إلى غرفنا لننام ونرتاح بعد يومٍ طويل استعداداً لما تبقّى من الرحلة.
اليوم الثاني
استيقظنا باكراً وتناولنا الفطور في الفندق مستمتعين بالمنظر البارونامي. وانطلقنا بالسيارة إلى غابة Halipuu القريبة. عند وصولنا قابلتنا شابة تُدعى “ريتا” عرّفتنا عن نفسها وأعلمتنا بأن هذه الغابة لوالدها وقد ورثها عن جدّه، وقد قرروا استخدامها الآن لاستضافة الزوار حيث يمكنهم الاستمتاع بوقتهم في تجربة مميّزة وتبنّي شجرة بأسعار تبدأ من 30 إلى 350 يورو! سيقوم القيمون على الغابة بكتابة اسم المتبنّي على الشجرة ووإرسال صور فوتوغرافية بشكل مستمر.
بدأنا نسير داخل الغابات، والتي تُغطي مساحات كبيرة من فنلندا والتي شعرنا أنها تتشابه بشكل كبير أثناء مشاهدنا لها في طريقنا، فهي تضمّ مساحات خضراء شاسعة وشجراً طويلاً ذو جذعٍ رفيع. شعرتُ وأنا أمشي أنني أسير في إحدى الغابات التي كنت أشاهد صورها في قصص الأطفال، فهي خضراء وهواؤها عليل وتضم الكثير من الفطر والتوت على أنواعه.
أخبرتنا “ريتا” – وكان الشغف بالغابة والطبيعة واضحاً عليها – بأن هناك قانوناً في فنلندا يسمح لأي كان بدخول الغابات، حتى لو كانت ملكية خاصة، وبقطف الفطر وثمار التوت. أكملنا سيرنا وسط الغابة الجميلة إلى أن وصلنا إلى جلسة خشبية رائعة تتوسّطها شعلة نار للتدفئة وقد عُلّق فوقها ابريق كبير. هكذا ومع كل خطوة بدأت تتجلّى صورة قصص عالم الأطفال أكثر فأكثر. سارعت لأتدفّأ بالنار بسبب البرد القارص. هناك كان بانتظارنا زوج ريتا وقد حضّر لنا خلطته الخاصة من القهوة الشهية، بينما قدّمت هي لنا بعض الكوكيز بالتوت، والمارشميلو المحضّر بالبيت. ولكم أن تتخيّلوا الأجواء!
بعدها أتيحت لنا الفرصة لأخذ قسط من الراحة على أراجيح الهاموك المعلّقة بين الأشجار، بعد أن تمّت تغطيتنا ببطانيات دافئة لنغوص في عالم الراحة والاسترخاء.
لسوء الحظ، لم نتمكّن من إكمال يومنا في هذا المكان، ولكن لحسن الحظ، كانت وجهتنا التالية في مركز مدينة Levi، حيث تناولنا غداءنا في مطعم King Crab House، والذي قدّم لنا السلطعون وبلح البحر الشهي من المحيط الشمالي. أنهينا وجبتنا الشهية وانطلقنا في جولةٍ سريعة في المدينة الهادئة حيث استكشفنا بعض المتاجر التي تبيع التذكارات والهدايا.
من هناك ذهبنا إلى مكانٍ قريب حيث استقلينا التلفريك إلى أعلى الجبل حيث قمنا بجولة بانورامية استمتعنا فيها بالإطلالة الرئعة بينما تتساقط الثلوج علينا في عزّ البرد. استمتعنا بالمشاهد الرائعة لكن رغم سماكة الملابس والطبقات المتعدّدة إلا أن البرد كان قارصاً جداً.
انطلقنا إلى وجهتنا التالية، على مقربة من الفندق الذي كنا فيه، وبالتحديد إلى “سامي لاند” وهو بمثابة معرض يستعرض تاريخ وتقاليد شعوب “سامي”، والتي حقيقةً لم أكن أعلم عنها شيئاً قبل هذا اليوم. رافقنا في جولتنا شابٌ من شعب “سامي” بلباسه التقليدي وأخبرنا الكثير من المعلومات المثيرة للاهتمام. فشعوب سامي التي تتواجد في أربعة دول وهي فنلندا والسويد والنرويج وروسيا، تُعدّ الشعوب الأصيلة الوحيدة في أوروبا.
لدى هذا الشعب العديد من التقاليد والسمات الخاصة كاللغة الخاصة بهم، والموسيقى، والملابس وغيرها الكثير. وقد اشتهروا بتربية وامتلاك غزلان الرنّة reindeer. تمكّنا خلال جولتنا من سماع الموسيقى المحلية والتي أداها لنا الشاب المرافق، ومن مشاهدة مجسّمات للملابس التقليدية، وأدوات النقل، والصور القديمة، بالإضافة إلى الخيمة التي تُحاكي الخيم التي كان يعيش فيها هؤلاء.
إلا أن المعرض لا يقتصر على الداخل فقط، بل هناك معرض خارجي يُظهر خيماً ومنازل خشبية تحاكي تطوّر مساكن هذه الشعوب. انخرض شعب “سامي” الآن في الحياة المعاصرة، إلا أن علاقتهم بإرثهم وبالطبيعة لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
استمتعنا كثيراً بالتجوّل في هذا المعرض وبالتعرّف على هذه الحضارة القيّمة. إلا أنه حان وقت الانتقال إلى وجهتنا التالية. وهي فندق Golden Crown Levin Iglut، وهو عبارة عن غرف زجاجية متفرّقة تُحاكي الـ”إيغلو” أو منازل الإسكيمو وتتيح إطلالة رائعة على الطبيعة والسماء، علّ ساكنيها يوفّقون برؤية الأضواء الشمالية التي تشتهر بها هذه المنطقة. دخلت إلى غرفتي واستمتعت بإطلالتها الرائعة لوقتٍ قصير قبل أن أتوجّه إلى المطعم البانورامي في هذا الفندق واسمه Aurora Sky وهو أيضاً زجاجي ذو إطلالة بانورامية، وقد سُمّي تيمّناً بـ”أورورا” وهو الاسم الذي يُطلق هنا على الأضواء الشمالية. استمتعنا بعشائنا الشهي، والذي كان الطبق الرئيسي فيه عبارة عن ستيك من لحم غزال الرّنة الذي يتواجد بكثرة في هذا البلد، قبل أن ننطلق إلى مغامرةٍ جديدة.
إن حلم كل من يزور فنلندا أن يتمكّن من مشاهدة الأضواء الشمالية أو ما يُسمّى أحياناً بالشفق القطبي، وهو عبارة عن ظاهرة طبيعية تتزيّن من خلالها السماء بالألوان الخضراء خاصة، والبيضاء والوردية والبنفسجية في بعض الأحيان. وكانت هذه أمنيتنا نحن أيضاً. لذا ذهبنا مع فريق Aurora Chase™ إلى وجهة قرب بحيرة من بحيرات فنلندا الكثيرة علّنا نُوفّق إلا أن البرد كان قارصاً جداً في المساء ففضّلنا الانتظار داخل كوخٍ خشبي مجهّز بنار في وسطه للتدفئة وننتظر. هناك قدّم لنا الزوجين المسؤولين عن هذه الرحلة شراباً تشتهر به فنلندا وهو عبارة عن عصير لمزيج من أنواع التوت يُسخّن على النار، كان كفيلاً بتهدئة بردنا قليلاً. بعد وقتٍ من الانتظار، لم نُوفّق للأسف، فعدنا أدراجنا إلى الفندق.
اليوم الثالث
استيقظت في غرفتي الجميلة والفريدة على مشهد السماء الصافية، واعتارتني مشاعر مختلفة من الفرح الشديد بسبب وجودي في هذا المكان الخيالي، والحزن لأنني سأفارقه. بعد الفطور، استقلينا السيارة باتجاه منطقة أخرى وهي: روفانييمي Rovaniemi، والتي استغرقت حوالي ساعتين ونصف.
وكما في كل المرّات لم يخيّب الفندق ظني أبداً بل فاق توقعاتي بمجرّد وصولي إليه وهو فندق Arctic TreeHouse Hotel، وكما يدلّ اسمه تًحاكي كل غرفة منه منازل الشجر فهي مرتفعة عن سطح الأرض قليلاً أشبه بصناديق خشبية مستطلة. أما من الداخل، فيتميّز ديكورها بالدفء والهدوء، فيما يواجه السرير واجهة زجاجية كبيرة تطلّ على الغابة القريبة.
لاستكشاف هذه المدينة الجديدة سرنا في وسطها وتجوّلنا سريعاً في متحف Arktikum الذي أظهر جوانب كثير من فنلندا بدءاً من الجغرافيا، ووصولاً إلى مجسّمات للحيوانات المتواجدة فيها كالدب القطبي وحيوان الموس الضخم وغزلان الرنّة، ومجسّمات لأزياء ومساكن شعوب “سامي”، وأخرى للحياة القديمة في هذه الوجهة، وغيرها الكثير. بعده، ذهبنا أيضاً إلى صالة عرض Culture House Korundi الفنية والتي تضم العديد من الإبداعات الفنية المعاصرة، والتي تعكس أيضاً اهتمام فنلندا بالفنون.
بعدها كانت وجهتنا التالية Bearhill Husky Kennel، وهو مربى للكلاب وبخاصة كلاب الهاسكي. في الواقع، لم أكن متحمّسة لهذه التجربة كثيراً، وتردّدت قبل الذهاب، فأنا لست من عشّاق الحيوانات وأخاف من الكلاب أصلاً. لكن مع تشجيع بعض الزملاء ذهبت.
استقبلنا الرجل الذي يمتلك هذا المكان ويشرف عليه، وأدخلنا إلى مبنىً خشبي حيث طُلب منا ارتداء ملابس خاصة فوق ملابسنا وأحذية وقفازات. وعندما أصبحنا جاهزين انطلقنا إلى الخارج حيث كان هناك بانتظارنا عربة خاصة مفتوحة بأربعة عجلات. شرح لنا المشرف كيفية استخدام العربة التي ستجرّها سبعة كلاب “هاسكي” وكيفية التحكّم بها. وقال لنا أن لكل شخصين عربة واحدة حيث سيجلس أحدنا على المقعد بينما يقود الآخر واقفاً في الخلف، وفي منتصف الطريق يتم التبادل.
مشينا قدماً ليأخذ كلّ منا عربته، وكان قلبي يخفق من الخوف. وكلّما اقتربت من الكلاب كلّما ازداد الخفقان على وتر نباحها العالي. إلا أن المشرف طمأنني وقال لي إن نباحها يعني أنها متحمّسة للانطلاق في الجولة وهي ليست عدائية على الإطلاق. بالطبع، قرّرت الجلوس على مقعد الراكب وفكّرت أنني لن أبدّل مكاني أبداً. انطلقت العربة فينا وكان صراخي يعلو خوفاً، وشيئاً فشيئاً، ولا أعرف كيف، بدأ الخوف يتبدّد واستُبدل بالسعادة، فرحت أستمتع بالطبيعة، والهواء المنعش، وبكل شي. إلى أن وقفنا في منتصف الطريق. هنا بتُّ متأكدة أنني لن أتنازل عن قيادة هذه العربة العجيبة ولن أفوّت على نفسي هذه الفرصة، وهكذا حصل حتى لحظة العودة.
الحقيقة أن شيئاً من خوفي تجاه الكلاب تبدّد في هذه الرحلة، وسُررت كثيراً لأنني لم أفوّت على نفسي هذه التجربة الرائعة. استرحنا قليلاً في خيمة كبيرة في هذا المربى، تناولنا بعض الشوربة الساخنة، وتوجنا إلى الفندق.
هناك جهّز لنا الفندق تجربة مفاجئة، حيث قابلتنا في اللوبي إحدى فتاة من الـ”إلف”، وما يُعرف بمشاعدي ومساعدات “سانتا كلوز”. كان لباسها وطريقة كلامها، وحتى الطريقة التي كُبّر بها أنفها تجعل منها تبدة حقيقية فعلاً! ذهبنا معها في السيارة وصولاً إلى إحدى الغابات حيث التقينا بصديقتها الـ”إلف” ، وعرفتانا بأسلوب حياة هذه المخلوقات الخيالية وأدخلتانا إلى المدرسة التي يتعلّمون فيها. تعلّمنا بعض الأغاني بلغتهم، وكيفية تزيين كوكيز الزنجبيل، حتى نلنا شهادة لإتمامنا دورةً سريعة كمساعدي “سانتا”. بعدها رحنا نمشي في الغابة ونستمع إلى القصص الخيالية، حتى أنني نسيت أنني في الواقع، أو تناسيت، فعدت طفلة صغيرة في عالم القصص الخيالي. في وسط الطريق كان لا بدّ من وقفة مع شراب التوت الساخن ليدفئنا قلل أن نذهب إلى “مصنع الإلف” حيث يوجد مكتب بريد “سانتا كلوز”، وخريطة تواجد الـ”إلف” وغيرها من الغرائب. وبعد جولةٍ في هذا المكان فُتح أمامنا بابٌ سرّي واحزروا من كان خلفه؟!
إنه هو “سانت كلوز”. تقول الرواية أن “سانتا كلوز” أصله من هذه المنطقة تحديداً في فنلندا “روفينيامي”، والتي تضمّ الكثير من غزلان الرّنة والتي تقول الأسطورة بأنها تنقل “سانتا كلوز” طيراناً من القطب الشمالي، لذلك فهي تعطي أهمية كبيرة لهذه التقاليد وتحتفل بها بشكل رائع. واختتمنا تجربتنا الخيالية هذه بعشاء رائع في مدرسة الـ”إلف”.
بعدها كان المساء بدأ يرخي سدوله، فتوجّهنا إلى Northern Lights Floating، والتي تتيح تجربة استثنائية لزوارها. هنا بعد مقدّمة بسيطة تسلّم كلٌّ منا بدلة خاصة تتيح الطفو على وجه الماء وتوجّهنا إلى بحيرة قريبة. نزلنا إلى البحيرة الباردة لكننا لم نشعر بالبرد مع هذه البدلة العازلة. طفنا مستمتعين بهدوء وسكون الليل، وبتجربة ليس لها مثيل في أي مكانٍ آخر.
اختتمنا أمسيتنا الأخيرة، كان لنا محاولة أخيرة لمشاهدة الأضواء الشمالية، مع مصوّرين محترفين من Beyond Arctic، ولحسن الحظ تمكّنا من مشاهدة بعض الأولوان الخضراء ولو كانت خفيفة في السماء، لنقول أن شيئاً لم يفتنا في فنلندا.
هكذا انتهت رحلتنا في هذه الدولة الرائعة والتي أقل ما يمكن أن نقول عنها أنها مختلفة، وأن لكل منطقة فيها ميزةً خاصة، فلا تكفيها حتماً ثلاثة أيام لاستكشاف خباياها وللاستمتاع برونقها ولأجوائها المميّزة.
نصائح لزوار فنلندا
الرد في فنلدا أكر بكث ر مما قد تتوقّعهونه وبخاصة مساءً وفي المنطقة الشمالية، ف ا بدّ أن تكونوا جاهزين، ولا تبخلوا على أنفسكم بالملابس الشتوية.
على الرغم من البرد، إلا أن الشمس تسطع بعد هطول الثلوج، لذا لا تنسوا النظارات الشمسية.
حاولوا ألا تكروا من الحقائب أو تثقلوا من أوزانها، فالعديد من الفنادق لا تقدّم هنا خدمة نقل الحقائب.
لا بدّ من صرف العملة إلى اليورو قبل الوصول إلى فنلندا لتسهّلوا الأمور عليكم هناك.
لا تفوّتوا تذوّق عصير التوت البرّي الساخن، فطعمه رائع وهو غني بالفيتامينات.
حاولوا الاستمتاع بمشاهد الغابات والطبيعة أثناء تنقّلاتكم على الطريق، وقد تصادفكم غزلان الرّنة في منتصف الطريق، أو على الجنبات يُعد السلمون ولحم غزال الرّنة من أبرز الأكلات في فنلندا لذلك احرصوا على تذوذقها أثناء وجودكم هناك.
يُعد السلمون ولحم غزال الرّنة من أبرز الأكلات في فنلندا لذلك احرصوا على تذوذقها أثناء وجودكم هناك.
ميزانية الرحلة
التذكرة على متن درجة رجال الأعمال من فلاي دبي 7560 درهم
الإقامة لليلة واحدة في فندق Lapland Hotels Boulevardi د 950 درهم
الرحلة الداخلية إلى Kittila على متن طائرة Finnair د 500 درهم
الإقامة في فندق Hotel Levi Panorama د 900 درهم
الجولة في غابة Halipuu د 450 درهم
الرحلة على متن التلفريك 37 درهم
جولة في معرض Samiland د 50 درهم
الإقامة في فندق Golden Crown Levin Iglut د 2600 درهم
جولة متحف Arktikum د 55 درهم
صالة عرض Culture House Korundi الفنية 37 درهم
رحلة ™Aurora Chase للبحث عن الأضواء الشمالية 740 درهم
رحلة غابة “سانتا كلوز” مع ال”إلف” 700 درهم
تجربة Northern Lights Floating د 378 درهم
الرحلة الأخيرة لمشاهدة الأضواء الشمالية مع Beyond Arcticد 513 درهم
سعر التذكرة من روفانييمي إلى هلسنكي 1450 درهم
إجمالي سعر الوجبات 715 درهم
إجمالي سعر التنقلات 2500 درهم
إجمالي سعر الرحلة التقريبي 17906 درهم