القاهرة عشق متجدد
إنها القاهرة التي أحببتها من النظرة الأولى، فتكرّرت زياراتي لها حتى بتُّ أعدّ نفسي مصرية وقاهرية! القاهرة التي تدخل القلب دون استئذان فتقع في حبّها على الرّغم من الازدحام وبعض الفوضى. فمن منا ليس لحبيبه أخطاء أو عيوب… لكن الحب يبقى أقوى.
هل سبق لكم أن وقعتم في حبّ الشخص نفسه من جديد؟ هل تعرفون هذا الشعورعندما تحبون شخصاً ولكن بعد الزواج يصبح الحب روتينياً، أو يتحوّل إلى عشرة، ولكن فجأة تشتعل نار الحب مجدّداً بينكما لتذكّركما باللقاء الأول، وبشهر العسل؟ لعلّ هذا هو الوصف الأنسب لعلاقتي بالقاهرة الحبيبة بعد مشواري الأخير، والتي عشتُ فيها ومعها شهر عسلٍ جديد.
بدعوةٍ من فنادق ماريوت في القاهرة انطلقت في رحلتي لأحط رحالي في فندق الأحلام ماريوت مينا هاوس، ذلك الفندق التاريخي الذي يخبّئ في كل ركن وزاوية قصصاً وأسراراً ولحظات عظيمة، وذكريات لأهم الشخصيات التي سكنته أو زارته، وللأحداث التاريخية التي حصلت فيه. كلّ شيء في هذا المكان يعبق بالتاريخ، ويذكّر بمجد هذه المدينة الذي يبلغ من العمر آلاف السنين. كيف لا وهو الفندق الأقرب إلى الأهرامات والذي يطلّ عليها إطلالة رائعة، فكيفما التفت هنا، تجد العظمة بانتظارك وحولك.
اليوم الأول في القاهرة
بدأنا يومنا باكراً بفطور في مطعم 139 في فندق مينا هاوس والذي يتمتّع بإطلالة خلابة على الأهرامات المهيبة والتي تخطف الأنفاس.
تناولت فطوري من البوفيه الغني بالخيارات المتنوّعة، ولم أستطع أن أتوقف عن التحديق بالأهرامات. زرتُ الأهرامات مراراً في السابق ومررت من قربها تكراراً، إلا أن المشهد من ماريوت مينا هاوس مختلفٌ كلياً، ربّما بسبب القرب الشديد منها أو لسببٍ آخر لا أعرفه.
زاد هذا الشعور من حماستي لأعاود زيارة الأهرامات وهي زيارة كان مخططٌّ لها بعد فطورنا مباشرةً. انطلقنا من الفندق وما هي إلا دقائق معدودة حتى وصلنا إلى مدخل الأهرامات. اشترينا تذاكرنا – والتي تُباع للعرب تمام بنفس السعر الذي تُباع فيه للمصريين – ودخلنا. تجوّلنا داخل الأهرامات والتقطنا الكثير من الصور، من الناس من اختار دخول الهرم الكبير، ومنهم من اختار القيام بجولة على الجمل، ومنهم من اكتفى بالتجوّل والتقاط الصوّر الرائعة. تحمل الأهرامات الكثير من الألغاز والأسرار، فلا يمكن لمن يشاهدها إلا أن يقف مذهولاً أمام هذه الصروح، وأن يتساءل كيف بُنيت، وكيف كان يعيش بُناة الأهرامات في ذلك الزمن؟
لا تقتصر الأهرامات على خوفو وخفرع ومنقرع، بل هناك أيض ستة أهرامات صغيرة بُنيت لملكات ذلك العصر، وهي أصغر حجماً. إلا أن هذا ليس كل ما يحتويه المكان فالسفنكس أو ما يُعرف ب”أبو الهول” يقبع أيضاً عند أسفل الهضبة ليحرس هذا التاريخ العظيم والذي لا نزال نكتشف فيه كل يومٍ شيئاً جديداً.
بعد هذه الرحلة التي استعدت فيها بعض المعلومات حول الأهرامات، والتي أعادت لي شعوري بالانبهار عندما زرت الأهرامات للمرة الأولى منذ سنوات، عدنا أدراجنا إلى ماريوت مينا هاوس لاستراحة قصيرة على الغداء، والذي تناولناه في مطعم “ألفريدو” الإيطالي.
من هناك انطلقنا مجدداً إلى المتحف المصري، أحد أعرق وأغنى المتاحف في العالم، والذي احتفل مؤخراً ب 116 عام على افتتاحه. قد يتّخذ التجوّل داخل المتحف الكثير من الوقت، ولن يكفي يوم واحداً للاطلاع على كافة مقتنياته. إلا أننا، وبرفقة مرشدتنا السياحية، تمكّنا من الاطلاع على أبرزها، ومن بينها مقتنيات توت عنخ آمون الذهبية الثمينة، والمومياءات التي لا تزال تحافظ على الكثير من معالمها والمحفوظة داخل غرفة خاصة وغيرها الكثير.
ولعلّ القصّة التي أثارت فضولي واهتمامي أكثر هي قصة تمثال الملك خوفو، صاحب الهرم الأكبر، والذي لا يتخطى طول تمثاله ال 7 سنتيمتر.
يُقال بأن السير وليام ماثيو، عالم الآثار الإنجليزي، اكتشف جسد هذا التمثال دون رأس في مخبز إحدى السيّدات المصريات، فأقنعها بإخراجه من الفرن وراح يبحث عن الرأس إلى أن وجده بعد ثلاثة أسابيع!
انتهت الجولة ولكن آثارها والمعلومات التي حصلت عليها هذه المرّة رافقتني، وشعرتُ بشيء من التعلّق بهذا المتحف العريق والذي سيسلّم الكثير من مقتنياته إلى المتحف المصري الكبير المزمع افتتاحه عام 2020، على مقربة من أهرامات الجيزة. ولكن عزائي بأن المتحف المصري في التحرير لن يغلق أبوابه مع افتتاح المتحف الجديد، والذي يُعد أكبر متحف أثري في العالم.
عدنا أدراجنا إلى فندق ماريوت مينا هاوس العريق واختتمنا يومنا بعشاءٍ رائع في مطعم 139 حيث للإطلالة المسائية على الأهرامات عظمة وهيبة أكبر.
اليوم الثاني في القاهرة
بدأنا جولتنا الاستكشافية منذ الصباح الباكر وقد كانت محطتنا الأولى في قلعة صلاح الدين التاريخية، والتي تُعدّ من أبرز معالم مصر التاريخية فقد كانت مقراً للملوك والسلاطين الذين حكموا مصر على مدى سبعة قرون مضت. تضم القلعة ثلاثة مساجد، أبرزها مسجد محمد علي، والعديد من المتاحف.
مع ازدحام شوارع القاهرة لم يسمح لنا الوقت باستكشاف كافة متاحف وجوامع المكان، إلا أننا حرصنا على زيارة مسجد محمّد علي، فهو يُعد من أجمل المعالم الإسلامية في مصر. بنى محمّد علي باشا هذا الجامع على طراز “الجامع الأزرق” في اسطنبول. إلا أن زخارف المسجد مختلفة تمام فهي تحفة من التصميم المعماري، بقببه المزخرفة والتي تزيدها الثريا المتدلية منها جمالاً وروعة.
أما ساحة المسجد الخارجية فتتوسطها فسقية مزخرفة للوضوء، فيما يقبع في الناحية الثانية ما يُعرف ب”برج الساعة” والذي له قصة طريفة، حيث قدّمه الملك لويس فيليب ملك فرنسا في عام 1845 كهدية لمحمّد علي باشا. وفي المقابل أهداه محمّد علي باشا مسلّة الأقصر التي لا تزال حتى الآن موجودة في ميدان كونكورد. إلا أن المفارقة أن الساعة لم تعمل أبداً، وبقيت معطّلة حتى وقتنا هذا!
انتهينا من هذه الزيارة المميزة وأكملنا مسيرتنا باتجاه ما يُعرف ب”مجمّع الأديان”، وقد تمّت تسمية المكان بذلك لكونه يضمّ مساجداً وكنائس ومعبداً يهودياً دخلنا إلى “الكنيسة المُعلقة”، والتي تُعدّ من أهم المزارات المسيحية. سُمّيت الكنيسة بالمعلقة لكونها ترتفع حوالي 13 متراً عن سطح الأرض، وقد تمّ بناؤها على برجين قديمين من حصن بابليون الروماني. وتقول بعض الآراء بأن مكان الكنيسة كان إحدى المحطّات التي عرّجت عليها السيّدة مريم العذراء والمسيح الطفل، هرب من حاكم فلسطين.
بعدها زرنا أيضاً معبد “بن عزرا” اليهودي، والذي يُعدّ ذو أهمية مميزة لكونه شُيّد في المكان الذي وقف فيه سيّدنا موسى للصلاة بعدما كلّفه الله بالرسالة.
تنتشر أماكن العبادة في هذه المنطقة المميّزة والتي كانت المرة الأولى التي أزورها، فقرّرت أن أعود إليها في زيارتي التالية لمصر لأستكشفها بعمق فالوقت كان ضيّق ولا بدّ من العودة.
قبل عودتنا إلى فندقنا كان لا بدّ لنا من تناول وجبة غداء شهية في فندق “ماريوت القاهرة” والذي يقع في منطقة الزمالك. إلا أن لهذا الفندق قصّته التاريخية أيضاً فقد بناه الخديوي اسماعيل عام 1896 ، كقصر فاخر ليستقبل ضيوف مصر القادمين لحضور افتتاح قناة السويس. تناولنا غداءنا في هذا الصرح التاريخي وسط قصص الملوك والسلاطين وعدنا إلى “ماريوت مينا هاوس”.
في المساء، كان بانتظارنا فعالية “حوارات تيد” TED ، حيث استضافت فنادق ماريوت بالتعاون مع منصة حوارات تيد، أول تجمع لزملاء تيد في مصر. وشارك في هذه الجلسة الحوارية كلٌ من رائد الأعمال في مجال التعليم كريم أبو النجا والمغنية ومؤلفة الأغاني الأثيوبية ميكليت هاديرو.
وتيد هي سلسلة من المؤتمرات العالمية التي تهدف إلى نشر أفكار جديدة وملهمة. وقد كانت هذه فرصة مميزة لنا للاستماع إلى قصة نجاح كريم أبو النجا من جمعيتي جلوبال شيبر وإيكوينج جرين، والمؤسس والرئيس التنفيذي ل”براكتيس ميكس بيرفيكت”، في تأسيس مشغل كامل الخدمات للمدارس الصيفية، وفي عقد شراكات مباشرة مع المدارس لتقديم برامج تعليمية عالية الجودة للمجتمعات محدودة الدخل.
أما ميكليت هاديرو، الأثيوبية الأميركية فتحدّثت عن موسيقاها التي تمزج بين الثقافتين، وعن مساهمتها في تأسيس مشروع النيل، الذي يجمع بين مختلف الأنماط الموسيقية السائدة في الدول الواقعة على طول مجرى النهر.
اليوم الثالث في القاهرة
بدأنا جولتنا في هذا اليوم في منطقة الحسين أو ما يُعرف شعبياً ب”خان الخليلي”، ورحنا نتجوّل في ازقته المكتظة بالناس وبين متاجره المتراصفة على جانبي الطريق والتي تبيع التذكارات والقطع النحاسية والفضية والهدايا.
لا أعرف كيف يمرّ الوقت هنا، ولكنني أعشق هذا المكان الذي يعجّ بالحياة، انتهت بي الجولة وأنا محمّلة بأكياس أكاد أنسى ما في داخلها! متى اشتريت كل هذه الأغراض؟!
بعد جولة التسوّق أخذنا قسطاً من الراحة في مقهى “نجيب محفوظ” الذي سُمّي تيمّن بالأديب المصري العالمي والذي كان يجلس في هذا المقهى، والذي له رواية بعنوان “خان الخليلي”. يتماشى تصميم المطعم مع المنطقة التي تحتضنه، حيث يقدّم خيارات متنوعة من المأكولات المصرية.
انتهت جولتنا هنا لكن وجهتنا هذه المرة كانت مختلفة، حيث سنمضي ليلتنا الأخيرة في فندق شيراتون القاهرة، والذي تمّت إعادة افتتاحه مؤخراً بعد إجراء تجديدات شاملة عليه. استلمتُ غرفتي ووضعت أمتعتي وتسمّرت على النافذة أتأمل نهر النيل الذي اشتقت إليه. أذهلتني الغرفة بتصميمها المريح والعصري والذي تطغى عليه البساطة والحداثة واللون الأبيض المريح للعين، فعادةً ما تتسم فنادق القاهرة بتصميمها الكلاسيكي، إلا أن وسط زحمة المدينة يحتاج المرء إلى هذه التصاميم المريحة.
بعد استراحة قصيرة، ذهبنا في جولة في مركب على النيل قرابة الفندق، فسرنا في شريان حياة مصر واستمتعنا بمشاهدة المغيب ومعالم القاهرة التي بدأت تت ألأ بأنوارها عند حلول المساء. عدنا من النيل الذي له سحرٌ خاص لا يمكن وصفه إلى شيراتون القاهرة، فتناولنا عشاءً شهياً في مطعم “جيانيني” النيويوركي الإيطالي في الفندق.
وبما أنها الأمسية الأخيرة قرّرنا أن نمدّد سهرتنا في مطعم Studio70 على أنغام الموسيقى التي كانت تحيي أجواءها الراقصة الشرقية من حينٍ إلى آخر.
نصائح أوقات
عند الذهاب إلى الأماكن الدينية احرصوا على ارتداء الملابس المحتشمة.
من الضروري تبديل العملة لأن التعامل يكون بالجنيه المصري، ويمكنكم تبديلها في أي بنك حيث أن الأسعار موحدة المفاصلة على الأسعار ممكنة في خان الخليلي وهي جزءٌ من التجربة.
استخدموا تطبيق أوبر أثناء تجوّلكم فهو عملي وأسعاره جيدة جداً.
تشتهر القاهرة بزحمة السير والتي قد تكون في أماكن وأوقات غ ر متوقعة، لذا احرصوا على احتساب وقت إضافي للزحمة أثناء التخطيط لرحلتكم.
يمكنكم شراء خط هاتف مصري من المطار فأسعارها مقبولة وهي عملية جداً للاتصال بالانترنت أو للتواصل مع الأقارب والأصدقاء.
ميزانية رحله السياحة في القاهرة:
- تذكرة السفر من وإلى دبي 2000 درهم
- الإقامة في ماريوت مينا هاوس لليلتين 550 درهم
- الإقامة في فندق شيراتون القاهرة لليلة واحدة 275 درهم
- تذكرة دخول الأهرامات 4 دراهم
- تذكرة دخول المتحف المصريمع غرفة المومياء 12 درهم
- تذكرة دخول قلعة صلاح الدين 4 دراهم
- مجموع معدّل أسعار الوجبات 300 درهم
- معدل أسعار التنقلات 200 درهم
- إجمالي سعر الرحلة التقريبي 3345 درهم
تقرأون