رحلة إلى أعماق الماضي في ربوع عمان والبتراء
تشتهر الأردن بالجمع بين التاريخ والمعالم الطبيعية بشكل متناغم، فعاصمتها عمان تنبض بالحياة وتزخر بالتاريخ، وبالرغم من أنّ 72 ساعة في الأردن لا تكفي للتعرّف والاستمتاع بسحرها، إلا أننا خلال زيارتنا إليها أردنا تسليط الضوء على أماكن ومعالم مغايرة لتلك التي عادة ما تقترن بزيارات الأردن التقليدية، فبدلاً من زيارة البحر الميت، زرنا حمامات معين الحارة، وزرنا كذلك جبل نيبو، والذي يقال أنه المكان الذي دفن فيه النبي موسى عليه السلام. إلا أننا طبع لم نغفل عن زيارة المدينة الوردية العظيمة البتراء.
في هذا التقرير ننقل إليكم تفاصيل ثلاثة أيام قضيناها مستمتعين بالضيافة الأردنية تعرفنا فيها إلى سحر أكثر الصحاري في العالم إدهاش وجمالاً، الصحراء التي عشقها لورنس العرب منذ مئآت السنين.
فور وصولنا إلى المطار قمنا باستئجار سيارة، فهذا أسهل بكثير من الإعتماد على سيارات التاكسي التي قد تكون غالية الثمن، وغير مريحة. بعد قسط من الراحة، والانتهاء من اجراءات التسجيل في الفندق، توجهنا إلى وسط البلد، والذي كان سابقاً مركز عمان التجاري.
تنتشر في وسط البلد المحال التجارية على أنواعها والمطاعم الشعبية، ويتوسطها المدرج الروماني والذي يعود تاريخه إلى حوالي 130 م.
قمنا بجولة في المدرّج، وزرنا متحف الأزياء الشعبية ومتحف الحياة الشعبية، المجاوران له، واللذان يستعرضان تطور الحياة والملبس في الأردن عبر السنين. قبل رحلتنا هذه، كنا قد سمعنا كثيراً عن أكلة الأردن الشعبية، المنسف. لذا كان لابد من تجربتها في أحد أشهر المطاعم التي تقدمها، وهو مطعم القدس، والذي يقع في وسط البلد، وتحديداً مقابل المدرج الروماني مباشرة.
يشتهر الأردنيون بأكل المنسف باليدّ وتبع لثقافتهم، فإن إستخدام الملاعق في أكله يعتبر إهانة لمن أعدّه أو للعائلة المضيفة. لكن لحسن الحظّ فإنّ هذه العادة لا تطبق في المطاعم! استمتعنا بوجبة رائعة لذيذة جداً إختتمناها بطبق الكنافة النابلسية التقليديةالتي يشتهر بها المطعم أيضاً .
اليوم الأول في الأردن
عند المساء توجهنا إلى منطقة أقلّ ما يُقال عنها هو أنها معاكسة تمام لمنطقة وسط البلد القديمة والتقليدية، ألا وهي منطقة العبدلي. تشبه منطقة العبدلي الجديدة منطقة مرسى دبي، بأبنيتها العالية، وتصميماتها العصرية، ويُقال بأنها قلب عمان الجديد. تجولنا بين مقاهي المنطقة وجلساتها الخارجية المتنوعة، واستمتعنا بأجوائها اللطيفة. وبحلول الليل عدنا أدراجنا إلى الفندق، ونمنا باكراً حيث أن برنامجنا لليوم التالي كان حافلاً جداً .
اليوم الثاني في الأردن
إستيقظنا في السادسة صباحاً، تناولنا فطورنا على عجل، واستقلينا السيارة لنبدأ رحلتنا. كانت الخطة أن نتوجه جنوب نحو البتراء وأن نتوقف في محطات متعددة في طريقنا إلى هناك. كانت أولها مدينة مادبا.
تشتهر مادبا بمدينة الفسيفساء لوفرة هذا الفن فيها، ويقال أنه في العصر البيزنطي كانت جميع منازل ومباني المدينة مُبلطة بأرضيات فسيفسائية غاية في الجمال.
تجولنا في المدينة، وزرنا متحفها، حيث شاركنا في صناعة أكبر لوحة فسيفساء في العالم حيث وضعنا قطع على اللوحة التي يشارك في صناعتها الملايين من زوار مادبا على مدار العام.
إلا أن هدفنا الأساسي من زيارة هذه المدينة الصغيرة كان زيارة أبرز معالمها السياحية، وهو مقام النبي موسى عليه السلام، والذي يقع على قمة جبل نيبو.
يُعتقد بأن النبي موسى عليه السلام وقف على قمة جبل نيبو مع قومه ورأى الأرض الموعودة التي لم يصلها ويفترض أن يكون عليه السلام قد توفي ودفن في الجبل. بالرغم من هذا الاعتقاد إلا أنه لا يوجد أي تأكيد على موقع القبر أو وجوده.
عند انتصاف النهار بدأنا بالتوجه جنوب نحو شالات ماعين، وكلما ابتعدنا عن مادبا، شعرنا بالضغط يزداد وبأذنانا تنغلقان أكثر فأكثر. وصلنا إلى منتجع ينابيع ماعين الحارّة، حيث كنا قد سنقيم لليلة واحدة، ليتسنى لنا الإستمتاع بالبرك الحرارية الطبيعية والمياه الكبريتية، والتي تصل حرارة الماء فيها بعد تدفقها من قمة الجبل لحوالي 43 درجة مئوية.
بعد الاستمتاع بجمال الطبيعة وفوائد المياه الكبريتية، تناولنا عشاءً خفيف في شرفة مطعم الفندق، والمصممة على الطريقة العربية التقليدية. خلدنا للنوم باكراً والشوق يملؤنا لما ينتظرنا من مغامرات في المدينة الوردية غداً.
اليوم الثالث في عمان
في الصباح الباكر، توجهنا إلى البتراء، تلك المدينة التاريخية التي وقع في عشقها لورنس العرب، والتي كانت مسرحاً للعديد من الأفلام الهوليوودية.
الطريق إلى البتراء وعرة بعض الشيء، وتمرّ ببعض القرى المنتشرة على طول الطريق. بعد حوالي ساعتين من انطلاقنا، وصلنا إلى وجهتنا المنشودة، المدينة الوردية.
يعرف الجميع بأن مدينة البتراء منحوتة في صخر وردي اللون، إلا أن القليل يعرف أن كلمة بترا تعني الصخر باللغة اليونانية. والمدينة التاريخية هذه أشبه ما تكون بالقلعة المختبئة في وادٍ، تحرسها الجبال المتراصة بعضها ببعض من كل جانب.
وصلنا إلى البوابة العلوية للمدينة. وما أن وطأتها قدمانا، حتى تهافت إلينا ساسة العربات والخيّالة لنركب معهم عبر الممر الضيق الموصل إلى المدينة، إلا أننا فضلنا المشي، حيث أننا كنا مليئين بالحيوية. سرنا في السيق، ذلك الممر الضيق ذو الجوانب الشاهقة العلو التي بالكاد تسمح بمرور أشعة الشمس.
تضفي أشعة الشمس التي تنعكس على الون الوردي للصخور تباين دراماتيكي زاد من شوقنا للسحر القادم. تشهد هندسة السيق المميزة على الحضارة السابقة لأوانها التي كان يعيشها الأنباط، أهل البتراء القدامى، حيث
أنهم قامواً بحفر قناة تسمح بوصول مياه الأمطار من أعلى الجبل إلى وسط المدينة.
مشينا لحوالي الكيلومتر، وفجأة تباعدت الجبال لينكشف لنا من خال شقّ ميدان طبيعي آسر الجمال، وبعد قليل ظهرت أمامنا خزنة البتراء الشهيرة المنحوتة في الصخر وهي تتوهج تحت أشعة الشمس.
على الرغم من أن الخزنة هي أكثر ما تشتهر فيه البتراء، إلا أنها كانت في أيامها، مدينة متكاملة، تنتشر فيها الكهوف، والمعابد وغير ذلك. خلال تجوالنا في أرض البتراء وكهوفها، اكتشفنا بأن بعض الأردنيين التقليديين لا يزالون يسكنون هنا، الأمر الذي أثار دهشتنا واستغرابنا.
بما أن الشمس كانت حارقة، قررنا أن نرتاح قلياً في إحدى الخيم التي يقيم عليها أحد سكان المدينة، جلسنا معهم واحتسينا الشاي والقهوة حتى اقترب موعد المغيب، وبات الجو أكثر اعتدالاً.
بدأنا نعود أدراجنا إلى منطقة الخزنة، والتي كانت قد بدأت تتزين لاستقبال زوارها المسائيين. فهذه المدينة تلبس أجمل حللها وتتزين بالشموع عند كل مساء، فتصبح آية في الجمال.
وقفنا نتأمل هذه التحفة البشرية، التي تستحق فعاً أن تكون إحدى عجائب العالم السبع.
ميزانية الرحلة السياحية في الأردن:
- تذكرة السفر من وإلى دبي 1500 درهم
- أجرة السيارة خلال الرحلة مقسمة على شخصين 275 درهم
- دخول المدرج الروماني والمتاحف 20 درهم
- دخول البتراء 35 درهم
- مبيت الفندق معدل وسطي للرحلة مقسمة على شخصين 1280 درهم
- تذكرة السفر من وإلى دبي 1500 درهم
- الرحلة إلى بركان باتور، شاملة الفطور 105 درهم
- إجمالي متوسط سعر وجبات الغداء والعشاء 50 درهم
- إجمالي سعر الرحلة التقريبي 6265 درهم
نصائح لزوار الأردن
الطريق المؤدي إلى شلالات ماعن ذات المياه المعدنية الحارة، وعرة بعض الشيء، لذا يجب أن يكون السائق متمكنً.
احذروا الإنزلاق عند السباحة في برك المياه المعدنية الحارة، حيث أن الأرضية زلقة بسبب نمو الطحالب.
لا بد من ارتداء الأحذية الرياضية المريحة عند زيارة المدرج الروماني
إن الطريق المؤدي إلى البتراء ضيق وغر مضاء في بعض أجزائه، لذا فمن الأفضل أن تخططوا لرحلتكم لتصلوا إلى المدينة قبل حلول الظام
في البتراء من الأفضل شراء البطاقة التي تخولكم الدخول إلى البتراء خلال النهار، والاستمتاع بها ليلاً أيضاً فهذا أوفر من شراء كل بطاقة على حدة.
تقرأون